التحليل النقدي للخطاب: النشأة، والمنهجية، وأشهر المنظرين
ما التحليل النقدي للخطاب؟
التحليل النقدي
للخطاب (Critical discourse analysis) نهج متعدد
التخصصات لدراسة الخطاب باعتباره شكلا من أشكال الممارسة الاجتماعية، وذلك من منطلق أن الممارسات
الاجتماعية تتداخل مع الممارسات اللغوية (وغير اللغوية) بحيث تستدعي إحداها الأخرى
بشكل تبادلي.
ويركز التحليل النقدي للخطاب على دراسة كيفية
إقامة علاقات القوة الاجتماعية وتعزيزها من خلال استخدام اللغة. وفي هذا الصدد يختلف التحليل النقدي للخطاب عن تحليل الخطاب
المباشر، فإذا كان هذا الأخير يعتمد مقاربة وصفية للخطاب بالتركيز على بنيته
النصية، فإن التحليل النقدي للخطاب يعتمد مقاربة تجمع بين وصف البنية النصية
للخطاب وربطها بسياق التلفظ والموقع الاجتماعي للمتلفظ وتأويل مضمرات الخطاب لكشف قضية
اختلال توازن القوى والاختلاس والاستغلال وعدم المساواة الهيكلية في مجالات مثل
التعليم والإعلام والسياسة.
نشأة التحليل النقدي للخطاب
نشأ التحليل النقدي للخطاب في سياق تطوير مصطلح
"اللغويات النقدية" في جامعة إيست أنجليا من قبل روجر فاولر وعلماء
آخرين في السبعينيات، وغالبًا ما تستخدم هذه المصطلحات الآن بشكل متبادل. لا تولي
اللسانيات الاجتماعية اهتمامًا كبيرًا للتسلسل الهرمي الاجتماعي والسلطة، لكن تم
تطويرها لأول مرة من قبل مدرسة لانكستر للغات، والتي كان نورمان فيركلاف أبرز
شخصية فيها بالإضافة إلى روث ووداك التي تحتل بدورها موقعا مهما في التحليل النقدي
للخطاب.
بالإضافة إلى النظرية اللغوية، يعتمد التحليل
النقدي للخطاب على النظرية الاجتماعية المستمدة من كارل ماركس وأنطونيو غرامشي ولويس
ألتوسير ويورغن هابرماس وميشيل فوكو وبيير بورديو، زذلك لفحص الإيديولوجيا وعلاقات
القوة التي ينطوي عليها الخطاب. ترتبط اللغة بالمجتمع من خلال كونها المجال
الرئيسي للإيديولوجيا ومن خلال كونها وسيلة التعبير الخطابي عن الموقع الاجتماعي،
والوسيلة الأساسية التي يستعملها أصحاب المصالح في الصراع السلمي على السلطة. وفي
هذا الإطار، يشار إلى الإيديولوجيا على أنها أساس التمثيل الاجتماعي للمجموعة
الاجتماعية. وفي النموذج النفسي للتحليل النقدي للخطاب
الذي طورهتون فان ديك Teun A.
van Dijk وروث ووداك Ruth
Wodak، يُفترض وجود علاقة بين الهيكل
الاجتماعي وموقع المتكلم (منتج الخطاب) وبنية الخطاب. ويلعب البعد التاريخي في
دراسة الخطاب النقدي أيضًا دورًا مهمًا.
التحليل النقدي للخطاب: منهجية الدراسة والتحليل
من المقبول عمومًا أنه يمكن استخدام طريقة
دراسات الخطاب في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهذا النوع من الدراسات
يندرج بشكل عام في أبحاث التحليل النقدي للخطا، بشرط أن يكون هناك فهم كافٍ لكيفية اشتغال الخطاب في الممارسة
التلفظية ذات الصلة بقضايا عدم المساواة الاجتماعية والسياسية، وإساءة استخدام السلطة
أو الهيمنة. لا يقتصر التحليل النقدي للخطاب على تحليل البنية المحددة للنص أو الخطاب،
ولكن يربطهما بشكل منهجي بالسياق (سياق التلفظ والسياق الاجتماعي الخاص والعام)،
ويربطهما كذلك بقصدية المنتج الخطاب ورهاناته الإيديولوجية والاجتماعية والسياسية..
يستخدم
التحليل النقدي للخطاب التحليل السياسي لفحص
الخطاب في الخطاب السياسي. وينطلق التحليل النقدي للخطاب في ذلك من المعطى التالي:
إن أي شكل من أشكال الكلام يمكن استخدامه للتلاعب بالمستمع أو متلقي الخطاب.
الانتقادات الموجهة للتحليل النقدي للخطاب
ومع ذلك، هناك بعض الملاحظات حول التحليل النقدي للخطاب، على سبيل
المثال، يقال إنه في نفس الوقت واسع جدًا بحيث لا يمكن تحديد المضمرات الخطابية
والإيديولوجية داخل الخطاب بوضوح. هذا بالإضافة إلى أن التحليل النقدي للخطاب لا يزال
غير قوي بما يكفي للعثور على كل ما كان الباحثون يهدفون إليه بشكل مناسب في مجال
دراسة وتحليل التدافعات الخطابية في مجال الصراع الاجتماعي والسياسي والإيديولوجي.
يشير نورمان فيركلوف إلى مصطلح التحليل النقدي للخطاب في كتابه "
اللغة والقوة". يقدم فيركلاف مفاهيم تعتبر الآن مهمة في
التحليل النقدي للخطاب، مثل "الخطاب، والسلطة، والأيديولوجيا، والممارسة الاجتماعية،
والأخلاق". ويجادل فيركلاف بأنه يجب تحليل اللغة كممارسة اجتماعية من خلال
منظور الخطاب المنطوق والمكتوب.
طور فيركلوف إطارًا ثلاثي الأبعاد لدراسة الخطاب. ويهدف إلى مطابقة ثلاثة
أنماط تحليلية منفصلة: التحليل (محادثة أو كتابية)، والكتب المدرسية، وتحليل
ممارسة الخطاب (عملية إنتاج النص التوزيع والاستهلاك)؛ فهو يجمع بين التفسيرات على
المستوى الجزئي والمتوسط والكلي. وأثناء نشاط التحليل النقدي للخطاب سينظر
المحللون في جوانب مختلفة للنص (التحليل اللغوي) مثل تحليل البنيات النحوية، والأمثال
والوسائل البلاغية المستحدمة، وسياق إنتاج الخطاب واستهلاكه، والجمهور المستهدف،
إلخ. وعلى المستوى الكلي، يقوم المحللون في مجال التحليل النقدي للخطاب بدراسة المكونات
الموجهة للممارسة الخطابية: السياق، والتخصصات (الخطاب السياسي أم الإعلامي أم
الديني أم التربوي، الخ)، مع الأخذ بعين الاعتبار الاتجاهات الاجتماعية الأوسع
التي تؤثر على النص قيد الدراسة.
التحليل النقدي للخطاب عند تون فان ديك
يجمع أسلوب تون فان ديك Teun A.
van Dijk في التحليل النقدي للخطاب بين النظرية
المعرفية والنظرية اللغوية والاجتماعية، ويستخدم" الإدراك" باعتباره الطبقة الوسطى
من نهج ثلاثي المستويات في بنية كل خطاب (البعد المعرفي، البعد اللغوي، البعد
الاجتماعي). من خلال دراسة هذه الأبعاد المتداخلة، يمكن للباحثين أن يفهموا بشكل
أفضل كيف يتم تعزيز الظواهر الاجتماعية الأكبر من خلال الخطاب الشعبي في الحياة
اليومية. يشير منتقدو هذه الممارسة إلى أن المقاربة التي يعتمدها تون فان ديك في التحليل النقدي للخطاب تركز على تكرار الإيديولوجيا
بدلاً من التحول: إنه قد ينجح في كشف البعد الإيديولوجي في الخطاب، لكنه يتوقف عند
حدود الكشف، ولا يملك القدرة على الارتقاء إلى اقتراح مشروع تحول في الواقع
الاجتماعي.
طورت روث ووداك إطار عمل يعتمد على الجمع
المنهجي للمقتطفات النصية حول الموضوع (موضوع الدراسة) لفهم علاقة الخطاب بالواقع
الاجتماعي. يسمح هذا الإطار بمناقشة وتحليل الأيديولوجيات المتعلقة بالمجموعات
الخطابية. يُعد التحليل على المستوى الكلي مفيدًا في فهم كيفية استمرار البنية
الكلية لعدم المساواة من خلال عملية مناقشة تجلياتها ومفعولاتها عبر المواقع الاجتماعية
وما يرافقها من ممارسات خطابية.
التحليل النقدي للخطاب: أشهر الأأسماء
من بين الكتاب المشهورين في مجال التحليل
النقدي للخطاب يمكن أن نذكر: نورمان فيركلوف، وميشاي كرزيزانوفسكي، وبول شيلتون،
وتيون إيه فان ديك، وروث ووداك، وجون إي ريتشاردسون، وفيل جراهام، وثيو فان ليوين،
وسيغفريد جاغر، وكريستينا شيفنر، وجيمس بول، وروجر فاولر، وغونتر كريس، وماري
تالبوت، وليلي تشولياراكي، وتوماس هوكين، وهيلاري جانكس، وفيرونيكا كولر، وكريس
هارت وبوب هودج.
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا لتشجيعنا على تقديم الأفضل والمفيد