الموسوعة الفرنسية أعادت تشكيل صورة العرب والإسلام
كانت الموسوعة
الفرنسية تجسيدًا لمشروع التنوير الفلسفي العظيم الذي بدأ في القرن الثامن عشر.
خلال حقبة الملكيات، بدأ أنصار النهضة الفرنسيون هذا المشروع في القرن الثامن عشر.
كلمة موسوعة من أصل يوناني، وتعني دائرة أو نظام معرفة كامل. تم استخدام هذه
الكلمة لأول مرة في العصور الحديثة في عام 1559. في ذلك الوقت، كانت كتب المعرفة
العامة تُمنح أسماء أدبية أو تسمى قواميس. يعرّف عوني الداودي الموسوعة بأنها
"بنك معلومات يغطي مجالات متنوعة، يصدره مجموعة من الأكاديميين والمتخصصين؛
أي معلومة في الموسوعة يُنظر إليها على أنها حقيقة علمية وموضوعية، كما يتفق عليها
المتخصصون. لذا، تعد الموسوعة مصدرًا مهمًا للباحثين والكتاب والقراء على حدٍ سواء
في جميع أنحاء العالم ".
حصل هذا المشروع
الفرنسي، الذي شهدته أوروبا خلال القرن التاسع عشر، على عنوان: "المعجم
العقلاني للعلوم والفنون والمهن" "Dictionnaire Raisonné des sciences des Arts et des
métiers". شارك مائة وستون كاتبًا في كتابة
مقالات هذه الموسوعة تحت إشراف الفيلسوف الفرنسي دينيس ديدرو. قام كل كاتب بصياغة
المادة التي كانت ضمن تخصصه. على سبيل المثال، تعامل روسو مع المحتوى التعليمي
بينما كتب فولتير المحتوى الفلسفي. قدم دوبنتون المقالات السياسية، وتعامل دي
هولباخ مع المقالات المثيرة للجدل. تولى ديدرو جميع الموضوعات الفكرية والدينية
بينما أخذ دالمبرت مقالات تتعلق بالرياضيات. تعامل مونتسكيو مع محتوى القانون.
تعامل بوفون مع العلوم الطبيعية، بينما تعامل كيسناي Quesnay مع كل ما يتعلق بالفيزياء وما إلى ذلك.
كتب ديدرو في افتتاحيته: “نحن نهدف إلى انتقاد التعصب الديني الأعمى، وكذلك التعصب السياسي أو بالأحرى الاستبداد السياسي. إلى جانب ذلك، نثني على الروح النقدية للعقل وحرية الفكر. تحتاج فرنسا إلى التنفس بحرية حتى تتقن روح الإبداع النقدي والمبتكر بعد سبات طويل. حان الوقت لتستيقظ فرنسا! لقد سبقها الآخرون ."
تبنى الفلاسفة
الفرنسيون المستنيرون موقفًا مخالفًا للدين، معتبرين إياه العقبة الرئيسية في وجه
التقدم الأوروبي. لكن بسبب قوة الكنيسة، لجأوا إلى الرمزية والاستعارة والتعبير
الملطف. صبوا انتقاداتهم للمسيحية والديانات الأخرى من خلال انتقاد الإسلام. وبذلك
أعادوا تشكيل صورة العرب والإسلام. كان انتقاد الإسلام رمزا لانتقاد المسيحية.
وينطبق الشيء نفسه على انتقاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزاته. كان ذلك
رمزًا لانتقاد يسوع المسيح. وبنفس الطريقة كان انتقاد القرآن رمزا لانتقاد الكتاب
المقدس.
يعتقد المفكر
السوري ممدوح عدوان أن اختيار الإسلام والقرآن والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من
قبل فلاسفة التنوير يعني اختيار هدف يمكنهم من خلاله توجيه انتقادات شديدة للدين.
يمكنهم فعل ذلك دون مواجهة اعتراض من القارئ الأوروبي العادي. ووفقًا لممدوح عدوان،
فإن الأوروبيين يميلون إلى قبول انتقاد الإسلام والتنديد به والسخرية منه. بعبارة
أخرى، تلاعب فلاسفة التنوير بالبيانات التاريخية لابتكار شرق يناسب أغراضهم. قالوا
إن الإسلام معاد للعلم ومخالف للعقل. كان الهدف هو القول إن الدين بشكل عام،
والمسيحية على وجه التحديد، لا يتفقان مع العلم والعقل. اختاروا الحديث عن
المعجزات من خلال مخاطبة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). من خلال ذلك، كانوا
يحاولون إثبات أن المعجزات كانت تخدع الجمهور. كانوا يقصدون أن معجزات جميع
الأنبياء تناقض المعرفة والعقل. وقد كان يسوع المسيخ من من بين هؤلاء الذين لم يجرأ
هؤلاء الفلاسفة على انتقادهم بشكل مباشر.
حاول فلاسفة
التنوير انتقاد المسيحية بالثناء على الإسلام وبعض جوانبه من خلال مقارنة خفية،
ومنها قول دي جاك أن وصف القرآن لله، أو وصف الله لنفسه فيه، يبدو واضحًا
ومقبولًا. يستشهد بآية "قل هو الله أحد" و "لم يلد ولا يولد".
كان الغرض من ذلك فضح فكرة ابن الله في المسيحية.
كما أشاد
الموسوعيون برؤية الإسلام للأصنام والتصوير والنحت، ودعوته إلى عبادة إله واحد.
فعلوا ذلك لانتقاد انشغال الكنيسة بصور المسيح والعذراء والصليب وزخارف الكنيسة.
كما أشادوا بالزكاة باعتبارها ركنًا من أركان الإسلام، مشيرين إلى أن المسيحية
أهملت هذا الأمر الإنساني العظيم.
لكن الضربة
المفاجئة التي يراها ممدوح عدوان هي تمييزهم بين العرب والإسلام. لقد اعتبر هؤلاء
الموسوعيون الإسلام معاديًا للعلم ومخالفًا للعقل. لكن الموسوعات الغربية الأخرى أكدت
أن العرب أسسوا حضارة عظيمة وخدمات مشرفة للعلم والعالم في عصر الرشيد والمأمون
والمعتصم. وذكروا أن ذلك حدث عندما نوَّع العرب مصادر معرفتهم. كان السبب وراء ذلك
هو التركيز على فلسفة وعلوم الإغريق والفرس والهنود. إن التمييز بين العرب
والمسلمين تمييز يتضمن مغالطات لا تستحق أن تكون داخل موسوعة. على سبيل المثال،
فإن الحكم العباسي الذي يعجبون به لم ينحرف عن الدين أكثر من غيره. لم يكن حكمًا
عربيًا خالصًا، حيث تأثر بشدة بالفرس.
المشكلة
الرئيسية في الموسوعة الفرنسية أن أسباب هذا الموقف لم تعد موجودة. أصبح المفكرون
الغربيون قادرين على انتقاد الدين. أما وجهة نظرهم عن الإسلام والعرب فقد بقيت في
الموسوعة للأجيال اللاحقة. لم يقم أحد بمراجعة مادة هذه الموسوعة.
عنوان النص الأصلي
The French Encyclopedia Reshaped the Image of
Arabs and Islam
Youssef Sharqawi
https://fanack.com/blogs-en/the-french-encyclopedia-arabs-and-islam~170753/
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقا لتشجيعنا على تقديم الأفضل والمفيد