تحليل الخطاب والتحليل النقدي للخطاب: الماهية، والآليات، والمفاهيم، والوظيفة، والمنظرون

تحليل الخطاب: تعريف

تحليل الخطاب (طريقة بحث المحتوى) - بشكل عام - عدد من المناهج في العلوم الاجتماعية، والغرض منها هو الدراسة النقدية للخطاب، والمهام الرئيسية - تحليل توازن القوى في المجتمع من أجل صياغة نهج معياري، يمكن من خلاله تحليل هذه العلاقات بشكل نقدي فيما يتعلق بالتغيرات الاجتماعية، لخلق فكرة عن نظام القيم والمخططات التفسيرية التي يتبناها المجتمع. يمكن أن تشمل المناهج التحليلية للخطاب: نظرية الخطاب عند إرنستو لاكلاو Ernesto Laclau وشنطال موف Chantal Mouffe، التحليل النقدي للخطاب، علم النفس الخطابي، إلخ.

 التحليل النقدي للخطاب: تعريف

التحليل النقدي للخطاب نوع فرعي من تحليل الخطاب طوره نورمان فايركلاف، والذي يعتبر الخطاب وفقًا له جانبًا واحدًا فقط من العديد من جوانب أي ممارسة اجتماعية. بالنسبة للتحليل النقدي للخطاب، فإن مجال الاهتمام الرئيسي هو دراسة تغييرات الخطاب التي تحدث من خلال التناص، وهي الآلية التي يعتمد بها نص واحد على عناصر وخطابات نصوص أخرى. يؤدي الجمع بين عناصر الخطابات المختلفة إلى تغيير خطاب معين، وبالتالي إلى تغيير العالم الاجتماعي والثقافي.

 

التحليل النقدي للخطاب: أهيمته والغرض منه

يعد التحليل النقدي للخطاب أمرًا بالغ الأهمية بمعنى أنه يهدف إلى تحديد دور الممارسة الخطابية في الحفاظ على النظام الاجتماعي، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية مع التوزيع غير المتكافئ للسلطة. الغرض من التحليل النقدي للخطاب هو تعزيز التغيير الاجتماعي وفي نفس الوقت توزيع أكثر عدالة للسلطة في عمليات التواصل والمجتمع ككل.

 

التحليل النقدي للخطاب: المصادر والتأثيرات

الممثلون الرئيسيون للتحليل النقدي للخطاب هم نورمان فايركلوف (غالبًا ما يُعتبر مؤسس التحليل النقدي للخطاب)، روث ووداك، وتيون فان ديك .

 

كان رائد التحليل النقدي للخطاب هو علم اللغة النقدي، الذي تم تطويره في السبعينيات من قبل مجموعة من العلماء من جامعة إيست أنجليا بقيادة روجر فاولر. بعد ذلك، بدأ استخدام مصطلحي "علم اللغة النقدي" و "التحليل النقدي للخطاب" بالتبادل.

 

كان التأثير المهم أيضًا هو مدرسة اللغويات الوظيفية النظامية، التي بدأها مايكل هاليداي . المصادر الأخرى للتحليل النقدي للخطاب هي البلاغة الكلاسيكية، واللغويات النصية، وعلم اللغة الاجتماعي، واللغويات التطبيقية، والتداولية .

 

التحليل النقدي للخطاب: الأطر المرجعية

استعار التحليل النقدي للخطاب عددًا من المفاهيم من العلوم الاجتماعية، ولا سيما من نظريات القوة والإيديولوجيا عند بعض الباحثين أمثال: ميشيل فوكو (أنظمة الخطاب، العلاقة بين المعرفة والسلطة)، أنطونيو غرامشي (الهيمنة)، لويس ألتوسير (أجهزة الدولة الإيديولوجية، الاعتقال)، أنتوني جيدينز (نظرية البَنْيَنَة théorie de la structuration)، وبيير بورديو (نظرية إعادة الإنتاج، وكتابه الذي يحمل عنوان "اللغة والقوة الرمزية")، يورغن هابرماس (كتاب: "نظرية الفعل التواصلي").

 

منهجية التحليل النقدي للخطاب

لا يقدم التحليل النقدي للخطاب نفسه كنظرية متماسكة أو نهج منهجي؛ بدلاً من ذلك، إنه منظور نقدي أو جدول أعمال بحث يمكن دمجه مع مناهج أخرى في مجموعة من التخصصات المتعلقة باللغويات والعلوم الاجتماعية.

 

يعتمد التحليل النقدي للخطاب على تحليل العلاقات البنيوية الواضحة وغير الواضحة للهيمنة والتمييز والسلطة والسيطرة من خلال مظاهرها وتمثيلاتها الرمزية والتلفظية في اللغة. على عكس المناهج الأخرى لتحليل الخطاب ولسانيات النص، يركز التحليل النقدي للخطاب ليس فقط على دراسة النصوص المكتوبة أو المنطوقة، ولكن أيضًا على تحليل العمليات الاجتماعية والبنيات التي تنتجها هذه النصوص.

 

التحليل النقدي للخطاب: مجالات التحليل والبحث

من بين مجالات البحث في التحليل النقدي للخطاب يمكن أن نذكر: الخطاب السياسي، والإيديولوجيا، والعنصرية، والخطاب الاقتصادي، والخطاب الإعلاني والإعلامي، والجنس، والخطاب المؤسسي (وخاصة التعليمي).

 

نورمان فايركلوف

في نظرية نورمان فايركلوف، يمتلك التحليل النقدي للخطاب ثلاث خصائص رئيسية:

• 1-     العلاقة (التركيز ليس على الأفراد أو الأشياء، بل على العلاقات الاجتماعية)،
• 2-     الديالكتيك،
• 3-     والتخصصات المتعددة.

روث ووداك:

وفقًا لروث ووداك، هناك أربعة مفاهيم أساسية في التحليل النقدي للخطاب، وهي: النقد، والقوة، والسلطة، والتاريخ، والأيديولوجيا. ويمكن التوقف عندها ببعض التفصيل كالتالي:

• -        النقد: ينطوي النهج النقدي على مسافة معينة من البيانات، والنظر إلى البيانات في سياقها الاجتماعي، وتعريف واضح للموقف السياسي المتعلق بها، والتركيز على التأمل الذاتي للباحث.
• -        القوة: اللغة ليست قوية في حد ذاتها، لكنها تصبح كذلك من خلال استخدامها من قبل من هم في السلطة. الأشكال اللغوية، والاستعارات النحوية والمفاهيمية، وما إلى ذلك، هي وسائل للتعبير عن السلطة ومعالجتها.
• -        السلطة: كل أشكال الصراعات التي تعرفها المجتمعات مرتبطة بشكل من اشكال الارتباط الصريح أو الضمني بقضية السلطة؛ إن السلطة هي موضوع الصراع، وهي أفقه في الوقت نفسه. وتتجلى السلطة من خلال ماديتها السياسية المعلنة والمعبرة عن نفسها في شكل بروتوكول أو نظام أمني أو تشريع تنفيذي، وتتجلى كذلك من خلال صيغها الرمزية، وخاصة اللغة أو الاستعمال الإيديويولجي للغة من أجل الحفاظ على السلطة أو الوصول إليها.
• -        الإيديولوجيا: تضمن الأيديولوجيا تداول الأشكال الرمزية في المجتمع، وهي أداة لتأسيس علاقات قوة غير متكافئة، والحفاظ عليها؛ تتمثل مهمة الباحث في إزالة الغموض عن الخطابات من خلال الكشف عن الإيديولوجيات التي تقف وراءها، وهي في الغالب إيديولوجيات مضمرة غير مصرح بها، وهنا يتدخل البحث النقدي للخطاب من أجل كشف تلك المضمرات الإيديولوجية من خلال صيغ اشتغالها النصي والتلفظي في الحطاب.
• -        التاريخ: تتطور الإيديولوجيات والممارسات الخطابية بمرور الوقت، وفي علاقة مباشرة بالعمليات الجارية في المجتمعات المعنية.

 

الأطروحات والمفاهيم الأساسية في التحليل النقدي للخطاب:

 

1. -        اللغة ممارسة اجتماعية
2. -        العلاقة بين اللغة والقوة
3. -        الانخراط في مناقشة المشاكل الاجتماعية
4. -        اتصال النص والسياق
5. -        الانعكاس الذاتي (موقف محدد بوضوح فيما يتعلق بالافتراضات المسبقة وأنظمة القيم التي يعتبر الباحث منها الأشياء قيد الدراسة)
6. -        التبادلية والتناص
7. -        التفكيك

بما أن التحليل النقدي للخطاب يتبنى توجهًا صريحًا نحو النقد الاجتماعي والتغيير، فإنه ليس محايدًا من الناحية الإيديولوجيًة. وعادة ما يعتمد على وجهات نظر سياسية يسارية، ويهدف إلى انتقاد النظام الرأسمالي النيوليبرالي (خاصة في نسخته التي اقترحها نورمان فايركلوف Norman Fairclough: التحليل النقدي للخطاب بدل تحليل الخطاب).